الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الكامل في التاريخ **
في هذه السنة مات محمد بن محمد صاحب أبي السرايا. وفيها أصاب أهل خراسان وأصبهان والري مجاعة شديدة وكثر الموت فيهم وحج بالناس هذه السنة إسحاق بن موسى بن عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس.
في هذه السنة بايع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي بالخلافة ولقبوه المبارك وكانت بيعته أول يوم من المحرم وقيل خامسه وخلعوا المأمون وبايعه سائر بني هاشم فكان المتولي لأخذ البيعة المطلب بن عبد الله بن مالك فكان الذي سعى في هذا الأمر السندي وصالح صاحب المصلى ونصير الوصيف وغيرهم غضبًا على المأمون حين أراد إخراج الخلافة من ولد العباس ولتركه لباس آبائه من السواد. فلما فرغ من البيعة وعد الجند رزق ستة أشهر ودافعهم بها فشغبوا عليه فأعطاهم لكل رجل مائتي درهم وكتب لبعضهم إلى السواد بقية مالهم حنطة وشعيرا فخرجوا في قبضها فانتهبوا الجميع وأخذوا نصيب السلطان وأهل السواد واستولى إبراهيم على الكوفة والسواد جميعه وعسكر بالمدائن واستعمل على الجانب الغربي من بغداد العباس بن موسى الهادي وعلى الجانب الشرقي منها إسحاق بن موسى الهادي. وخرج عليه مهي بن علوان الحروري وغلب على طساسيج نهر بوق والراذانين فوجه إليه إبراهيم أبا إسحاق بن الرشيد وهوالمعتصم في جماعة من القواد فلقوه فاقتتلوا فطعن رجل من أصحابه ابن الرشيد فحامى عنه غلام تركي يقال له: اشناس وهزم مهدي إلى حولايا. وقيل كان خروج مهدي سنة ثالث ومائتين. وكان بقصر ابن هبيرة حميد بن عبد الحميد عاملًا للحسن بن سهل ومعه من القواد سعيد بن الساجور وأبوالبط وغسان بن أبي الفرج ومحمد بن إبراهيم الإفريقي وغيرهم فكاتبوا إبراهيم على أن يأخذوا له قصر ابن هبيرة وكانوا قد تحرفوا عن حميد وكتبوا إلى الحسن بن سهل يخبرونه أن حميدًا يكاتب إبراهيم وكان حميد يكتب فيهم بمثل ذلك فكتب الحسن إلى حميد يستدعيه إليه فلم يفعل خاف أن يسير إليه فيأخذ هؤلاء القواد ماله وعسكره ويسلمونه إلى إبراهيم فلما ألح الحسن عليه بالكتب سار إليه في ربيع الآخر وكتب أولئك القواد إلى إبراهيم لينفذ إليهم عيسى بن محمد بن أبي خالد فوجهه إليهم فانهبوا ما في عسكر حميد فكان مما أخذوا له مائة بدرة وأخذ ابن حميد جواري أبيه وسار إليه وهوبعسكر الحسن ودخل عيسى القصر وتسلمه لعشر خلون من ربيع الآخر فقال حميد للحسن: ألم أعلمك لكنك خدعت. وعاد إلى الكوفة فاخذ أمواله واستعمل عليها العباس بن مسوى بن جعفر العلوي وأمره أن يدعولأخيه علي بن موسى بعد المأمون وأعانه بمائة ألف درهم وقال له: قاتل عن أخيك فإن أهل الكوفة يجيبونك إلى ذلك وأنا معك. فلما كان الليل خرج حميد إلى الحسن وكان الحسن قد وجه حكيمًا الحارثي إلى النيل فسار إليه عيسى بن محمد فاقتتلوا فانهزم حكيم فدخل عيسى النيل ووجه إبراهيم إلى الكوفة سعيدا وأبا البط لقتال العباس بن موسى وكان العباس قد دعا أهل الكوفة فأجابه بعضهم. وأما الغلاة من الشيعة فإنهم قالوا: إن كنت تدعونا لأخيك وحده فنحن معك وأما المأمون فلا حاجة لنا فيه فقال: إمنا أدعوللمأمون وبعده لأخي فقعدوا عنه. فلما أتاه سعيد وأبوالبط ونزلوا قرية شاهي بعث إليهم العباس ابن عمه علي بن محمد بن جعفر وهوابن الذي بويع له بمكة وبعث معهم جماعة منهم أخوأبي السرايا فاقتتلوا ساعة فانهزم علي بن محمد العلوي وأهل الكوفة ونزل سعيد وأصحابه الحيرة وكان ذلك ثاني جمادى الأولى ثم تقدموا فقاتلوا أهل الكوفة وخرج إلى شيعة بني العباس ومواليهم فاقتتلوا إلى الليل وكان شعارهم: يا أبا إبراهيم يا منصور لا طاعة للمأمون وعليهم السواد وعلى أهل الكوفة الخضرة. فلما كان الغد اقتتلوا وكان كل فريق منهم إذا غلب على شيء أحرقه ونهبه فلما رأى ذلك رؤساء أهل الكوفة خرجوا إلى سعيد فسألوه الأمان للعباس وأصحابه فأمنهم على أ ن يخرجوا من الكوفة فأجابوه إلى ذلك ثم أتوا العباس فأعلموه ذلك فقبل منهم وتحول عن داره فشغب أصحاب العباس بن موسى على من بقي من أصحاب سعيد وقاتلوهم فانهزم أصحاب سعيد إلى الخندق ونهب أصحاب العباس دور عيسى بن موسى وأحرقوا وقتلوا من ظفروا به. فأرسل العباسيون إلى سعيد وهوبالحيرة يخبرونه أن العباس بن موسى قد رجع عن الأمان فركب سعيد وأصحابه وأتوا الكوفة عتمة فقتلوا من ظفروا به ممن انتهب وأحرقوا ما معهم من النهب فمكثوا عامة الليل فخرج إليهم رؤساء الكوفة فأعلموهم أن هذا فعل الغوغاء وأن العباس لم يرجع عن الأمان فانصرفوا عنهم. فلما كان الغد دخلها سعيد وأبوالبط ونادوا بالأمان ولم يعرضوا إلى أحد وولوا على الكوفة الفضل بن محمد بن الصباح الكندي ثم عزلوه لميله إلى أهل بلده واستعملوا مكانه غسان بن أبي الفرج ثم عزلوه بعد ما قتل أبا عبد الله أخا أبي السرايا واستعملوا الهول ابن أخي سعيد فلم يول عليها حتى قدمها حميد بن عبد الحميد فهرب الهول. وأمر إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد أن يسير إلى ناحية واسط على طريق النيل وأمر ابن عائشة الهاشمي ونعيم بن حازم أن يسرا جميعا ولحق بهما سعيد وأبوالبط والإفريقي وعسكروا جميعًا بالصيادة قرب واسط عليهم جميعًا عيسى بن محمد فكانوا يركبون ويأتون عسكر الحسن بواسط فلا يخرج إليهم منهم أحد وهم متحصنون بالمدينة. ثم إن الحسن أمر أصحابه بالخروج إليهم فخرجوا إليهم لأربع بقين من رجب فاقتتلوا قتالًا شديدًا إلى الظهر وانهزم عيسى وأصحابه حتى بلغوا طرنايا والنيل وغمنوا عسكر عيسى وما فيه.
وفي هد السنة ظفر إبراهيم بن المهدي بسهل بن سلامة المطوع فحبسه وعاقبه. وكان سبب ظفره به أن سهلًا كان مقيمًا ببغداد يدعوإلى الأمر المعروف والنهي عن المنكر فاجتمع إليه أهل بغداد فلما انهزم عيسى أقبل هوومن معه نحوسهل بن سلامة لأنه كان يذكرهم بأقبح أعمالهم ويسميهم الفساق فقاتلوه أياما حتى صاروا إلى الدروب وأعطوا أصحابه الدراهم الكثيرة حتى تنحوا عن الدروب فأجابوا إلى ذلك. فلما كان السبت لخمس بقين من شعبان قصدوه من كل وجه وخذله أهل الدروب لأجل الدراهم التي أخذوها حتى وصل عيسى وأصحابه إلى منزل سهل فاختفى منه واختلط بالنظارة فلم يروه في منزله فجعلوا عليه العيون فلما كان الليل أخذوه وأتوا به إسحاق بن الهادي فكلمه فقال: إمنا كانت دعوتي عباسية وإمنا كنت أدعوإلى العمل بالكتاب والسنة وأنا على ما كنت عليه أدعوكم إليه الساعة فقالوا له: اخرج إلى الناس فقل لهم إن ما كنت أدعوكم إليه باطل فخرج فقال: أيها الناس! قد علمتم ما كنت أدعوكم إليه من العمل بالكتاب والسنة وأنا أدعوكم إليه الساعة: فضربوه وقيدوه وشتموه وسيروه إلى إبراهيم بن المهدي بالمدائن فلما دخل عليه كلمه به إسحاق بن الهادي فضربه وحبسه وأظهر أنه قتل خوفًا من الناس لئلا يعلموا مكانه فيخرجوه وكان ما بين خروجه وقبضة اثنا عشر شهرًا.
وفي هذه السنة سار المأمون من مروإلى العراق واستخلف على خراسان غسان بن عبادة. وكان سبب مسيره أن علي بن موسى الرضي أخبر المأمون بما الناس فيه من الفتنة والقتال مذ قتل الأمين وبما كان الفضل بن سهل يستر عنه من أخبار وأن أهل بيته والناس قد نقموا عليه أشياء وأنهم يقولون: مسحور مجنون وأنهم قد بايعوا إبراهيم بن المهدي بالخلافة. فقال له المأمون: لم يبايعوه بالخلافة وإمنا صيروه أميرًا يقوم بأمرهم على ما أخبر به الفضل فأعلمه أن الفضل قد كذبه وأن الحرب قائمة بين الحسن بن سهل وإبراهيم والناس ينقمون عليك مكانه ومكان أخيه الفضل ومكاني ومكان بيعتك لي من بعدك. فقال: ومن يعلم هذا قال: يحيى بن معاذ وعبد العزيز بن عمران وغيرهما من وجوه العسكر فأمر بإدخالهم فدخلوا فسألهم عما اخبره به علي بن موسى ولم يخبروه حتى يجعل لهم الأمان من الفضل أن لا يعرض إليهم. فضمن لهم ذلك وكتب لهم خطه به فأخبروه بالبيعة لإبراهيم بن المهدي وأن أهل بغداد قد سموه الخليفة السني وأنهم يتهمون المأمون بالرفض لمكان علي بن موسى منه وأعلموه بما فيه الناس وبما موه عليه الفضل من أمر هرثمة وأن هرثمة إمنا جاءه لينصحه فقتله الفضل وإن لم يتدارك أمره خرجت الخلافة من يده وأن طاهر بن الحسين قد أبلى في طاعته ما يعلمه فأخرج من الأمر كله وجعل في زاوية من الأرض بالرقة لا يستعان به في شيء حتى ضعف أمره وشغب عليه جنده وأنه لوكان ببغداد لضبط الملك وأن الدنيا قد تفتقت من أقطارها وسألوا المأمون الخروج إلى بغداد فإن أهلها لورأوك لأطاعوك. فلما تحقق ذلك أمر بالرحيل فعلم الفضل بالحال فبغتهم حتى ضرب بعضهم وحبس بعضهم ونتف لحى بعضهم فقال علي بن موسى للمأمون في أمرهم فقال: أنا أدراي ثم ارتحل فلما أتى سرخس وثب قوم بالفضل بن سهل فقتلوه في الحمام وكان قتله لليلتين خلتا من شعيان وكان الذين قتلوه أربعة نفر أحدهم غالب المسعودي الأسود وقسطنطين الرومي وفرج الديلمي وموفق الصقلبي وكان عمره ستين سنة وهربوا فجعل المأمون لمن جاء بهم عشرة آلاف دينار فجاء بهم العباس بن الهيثم الدينوري فقالوا للمأمون: أنت أمرتنا بقتله فأمر بهم فضربت رقابهم. وقيل إن المأمون لما سألهم فمنهم من قال: إن علي بن أبي سعيد ابن أخت الفضل بن سهل وضعهم عليه ومنهم من أنكر ذلك فقتلهم ثم أحضر عبد العزيز ين عمران وعليًا وموسى وخلقا فسألهم فأنكروا أن يكونوا علموا بشيء من ذلك فلم يقبل منهم وقتلهم وبعث برؤوسهم إلى الحسن ين سهل وأعلمه ما دخل عليه من المصيبة بقتل الفضل وأنه قد صيره مكانه فوصله الخبر في رمضان. ورحل المأمون إلى العراق فكان إبراهيم بن المهدي وعيسى وغيرهما بالمدائن وكان أبوالبط وسعيد بالنيل يراوحون القتال ويغادونه وكان المطلب بن عبد اله بن مالك قد عاد من المدائن فاعتل بأنه مريض فأتى بغداد وجعل يدعوفي السر إلى المأمون على أن منصور بن المهدي خليفة المأمون ويخلعون إبراهيم فأجابه منصور بن المهدي وخزيمة بن خازم وغيرهما من القواد وكتب المطلب إلى علي بن هشام وحميد أن يتقدما فينزل حميد نهر صرصر وينزل علي النهروان. فلما علم إبراهيم بن المهدي بذلك عاد عن المدائن نحوبغداد فنزل زندورد منتصف صفر وبعث إلى المطلب ومنصور وخزيمة يدعوهم فاعتلوا عليه فلما رأى ذلك بعث عيسى إليهم فأما منصور وخزيمة فأعطوا بأيديهما وأما المطلب فمنعه مواليه وأصحابه فنادى منادي إبراهيم: من أراد النهب فليأت دار المطلب فلما كان وقت الظهر وصلوا إلى داره فنهبوها ونهبوا دور أهله ولم يظفروا به وذلك لثلاث عشرة بقيت من صفر فلما بلغ حميدًا وعلي بن هشام الخبر أخذ حميد المدائن ونزلها وقطع الجسر وأقاموا بها وندم إبراهيم حيث صنع بالمطلب ما صنع ثم لم يظفر به.
في هذه السنة قتل علي بن الحسين الهمداني وأخوه أحمد وجماعة من أهل بيته وكان متغلبًا على الموصل. وسبب قتله أنه خرج ومعه جماعة من قومه ومن الأزد فلما نظر إلى رستاق نينوى والمرج قال: ثم إن عليًا اخذ رجلًا من الأزد يقال له عون بن جبلة فبنى عليه حائطا فمات فيه وظهر خبره فركبت الأزد وعليهم السيد بن أنس فاقتتلوا واستنصر علي بن الحسين بخارجي يقال له مهدي بن علوان فأتاه فدخل البلد وصلى بالناس ودعا لنفسه واشتدت الحرب وكانت أخيرًا على علي بن الحسين وأصحابه فخرجوا عن البلد إلى الحديثة فتبعهم الأزد إليها فقتلوا عليًا وأخاه أحمد وجماعة من أهلهما وسار أخوهما محمد إلى بغداد فنجا وعادت الأزد إلى الموصل وغلب السيد عليها وخطب للمأمون وأطاعه. الهمداني ها هنا نسبة إلى همدان بسكون الميم وبالدال المهملة وهي قبيلة من اليمن.
وفيها تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل. وفيها أيضًا زوج المأمون ابنته أم حبيب من علي بن موسى الرضي وزوج ابنته أم الفضل من محمد بن علي الرضي بن موسى وحج بالناس هذه السنة إبراهيم بن موسى بن جعفر ودعا لأخيه بعد المأمون بولاية العهد ومضى إلى اليمن وكان حمدويه بن علي بن عيسى بن ماهان قد غلب على اليمن. وفيها في ربيع الآخر ظهرت حمرة في السماء ليلة السبت رابع عشر ربيع الآخر وبقيت إلى آخر الليل وذهبت الحمرة وبقي عمرودان أحمران إلى الصبح. وفيها توفي أبومحمد يحيى بن المبارك بن المغيرة العدوي اليزيدي المقرئ صاحب أبي عمروبن العلاء وإمنا قيل اليزيدي لأنه صحب يزيد بن منصور خال المهدي وكان يعلم ولده. وفيها توفي سهل ذي الرياستين بعد قتل ابنه بستة اشهر وعاشت أمه حتى أدركت عرس بوران ابنة ابنها.
في هذه السنة مات علي بن موسى الرضي عليه السلام وكان سبب موته أنه أكل عنبًا فأكثر منه فمات فجأة وذلك في آخر صفر وكان موته بمدينة طوس فصلى المأمون عليه ودفنه عند قبر أبيه الرشيد. وكان المأمون لما قدمها قد أقام عند قبر أبيه وقيل إن المأمون سمه في عنب وكان علي يحب العنب وهذا عندي بعيد. فلما توفي كتب المأمون إلى الحسن ين سهل يعلمه موت علي وما دخل عليه من المصيبة بموته وكتب إلى أهل بغداد وبني العباس والموالي يعلمهم موته وأنهم إمنا نقموا ببيعته وقد مات ويسألهم الدخول في طاعته فكتبوا إليه أغلظ جواب. وكان مولد علي بن موسى بالمدينة سنة ثمان وأربعين ومائة.
وفي هذه السنة في آخر شوال حبس إبراهيم بن المهدي عيسى بن محمد بن أبي خالد. وسبب ذلك أن عيسى كان يكاتب حميدا والحسن بن سهل وكان يظهر لإبراهيم الطاعة وكان كلما قال له إبراهيم ليخرج إلى قتال أحمد يعتذر بأن الجند يريدون أرزاقهم ومرة يقول: حتى تدرك الغلة فلما توثق عيسى بما يريد فارقهم على أن يدفع إليهم إبراهيم بن المهدي يوم الجمعة سلخ شوال. وبلغ الخبر إبراهيم أبلغه هارون بن محمد أخوعيسى وجاء عيسى إلى باب الجسر فقال للناس: إني قد سألت حميدًا ألا يدخل عملي ولا أدخل عمله ثم أمر بحفر خندق بباب الجسر وباب الشام. وبلغ إبراهيم قوله وفعله وكان عيسى قد سأله إبراهيم أن يصلي الجمعة بالمدينة فأجابه إلى ذلك فلما تكلم عيسى بما تكلم حذر إبراهيم وأرسل إلى عيسى يستدعيه فاعتل عليه فتابع الرسل بذلك فحضر عنده بالرصافة فلما دخل عليه عاتبه ساعة وعيسى يعتذر إليه وينكر بعضه فأمر به إبراهيم فضرب وحبس وأخذ عدة من قواده وأهله فحبسهم ونجا بعضهم وفيمن نجا خليفته العباس. ومشى بعض أهله إلى بعض وحرضوا الناس على إبراهيم وكان أشدهم العباس خليفة عيسى وكان هورأسهم فاجتمعوا وطردوا عامل إبراهيم على الجسر والكرخ وغيره وظهر الفساق والشطار وكتب العباس إلى حميد يسأله أن يقدم عليهم حتى يسلموا إليه بغداد.
وفي هذه السنة خلع أهل بغداد إبراهيم بن المهدي وكان سبب ذلك ما ذكرناه من قبضة على عيسى بن محمد على ما تقدم فلما كاتب أصحابه ومنهم العباس حميدًا بالقدوم عليهم سار حتى أتى نهر صرصر فنزل عنده. وخرج إليه العباس وقواد أهل بغداد فلقوه وكانوا قد شرطوا عليه أن يعطي كل جندي خمسين درهما فأجابهم إلى ذلك ووعدهم أن يصنع لهم العطاء يوم السبت في الياسرية على أن يدعوللمأمون بالخلافة يوم الجمعة ويخلعوا إبراهيم فأجابوه إلى ذلك. ولما بلغ إبراهيم الخبر أخرج عيسى ومن معه من إخوته من الحبس وسأله أن يرجع إلى منزله ويكفيه أمر هذا الجانب فأبى عليه. فلما كان يوم الجمعة أحضر العباس بن محمد أبي رجاء الفقيه فصلى بالناس الجمعة ودعا للمأمون بالخلافة وجاء حميد إلى الياسرية فعرض جند بغداد وأعطاهم الخمسين التي وعدهم فسألوه أن ينقصهم عشرة عشرة لما تشاءموا به من علي بن هشام حين أعطاهم الخمسين وقطع العطاء عنهم فقال حميد: بل أزيدكم عشرة وأعطيكم ستين درهمًا لكل رجل. فلما بلغ ذلك إبراهيم دعا عيسى وسأله أن يقاتل حميدا فأجابه إلى ذلك فخلى سبيله وأخذ منه كفلاء وكلم عيسى الجند ووعدهم أن يعطيهم مثل ما أعطاهم حميد فأبوا ذلك فعبر إليهم عيسى وقواد الجانب الشرقي ووعد الجند أن يزيدهم على الستين فشتموه وأصحابه وقالوا: لا نريد إبراهيم فقاتلهم ساعة ثم ألقى نفسه في وسطهم حتى أخذوه شبه الأسير فأخذه بعض قواده فأتى به منزله ورجع الباقون إلى إبراهيم فأخبروه الخبر فاغتم لذلك. وكان المطلب بن عبد الله بن مالك قد اختفى من إبراهيم كما ذكرنا فلما قدم حميد أراد العبور إليه فعلموا به فأخذوه وأحضروه عند إبراهيم فحبسه ثلاثة أيام ثم خلى عنه لليلة خلت من ذي الحجة.
وفي هذه السنة اختفى إبراهيم بن المهدي وكان سبب ذلك أن حميدًا تحول فنزل عند أرحاء عبد اله بن مالك فلما رأى أصحاب إبراهيم وقواده ذلك تسللوا إليه فصار عامتهم عنده وأخذوا له المدائن. فلما رأى إبراهيم فعلهم أخرج جميع من بقي عنده حتى يقاتلوا فالتقوا على جسر نهر ديالى فاقتتلوا فهزمهم حميد وتبعهم أصحابه حتى دخلوا بغداد وذلك سلخ ذي العقدة. فلما كان الأضحى اختفى الفضل بن الربيع ثم تحول إلى حميد وجعل الهاشميون والقواد يأتون حميدًا واحدًا بعد واحد فلما رأى ذلك إبراهيم سقط في يديه وشق عليه وكاتب المطلب حميدًا ليسلم إليه ذلك الجانب وكان سعيد بن الساجور وأبوالبط وغيرهما يكاتبون علي بن هشام على أن يأخذوا له إبراهيم فلما علم إبراهيم بأمرهم وما اجتمع عليه قوم من أصحابه وبعث المطلب إلى حميد يعلمه أنه قد أحد بدار إبراهيم وكتب ابن الساجور إلى علي بن هشام فركب حميد من ساعته من أرحاء عبد الله فأتى باب الجسر وجاء علي بن هشام حتى نزل نهر بين ثم تقدم إلى مسجد كوثر وأقبل حميد إلى دار إبراهيم فطلبوه فلم يجدوه فيها فلم يزل إبراهيم متواريًا حتى جاء المأمون وبعد ما قدم حتى كان من أمره ما كان. وكانت أيام إبراهيم سنة وأحد عشر شهرًا واثني عشر يوما وكان بعده علي بن هشام على شرقي بغداد وحميد على غربيها وكان إبراهيم قد أطلق سهل بن سلامة من الحبس وكان الناس يظنونه قد قتل فكان يدعوفي مسجد الرصافة إلى ما كان عليه فإذا جاء الليل يرد إلى حبسه ثم إنه أطلقه وخلى سبيله لليلة خلت من ذي الحجة فذهب فاختفى ثم ظهر بعد هرب إبراهيم فقربه حميد وأحسن إليه ورده إلى أهله فلما جاء المأمون أجازه ووصله.
في هذه السنة انكسفت الشمس لليلتين بقيتا من ذي الحجة حتى ذهب ضوءها وغاب أكثر من ثلثيها. ووصل المأمون إلى همدان في آخر ذي الحجة وحج بالناس سليمان بن عبد الله بن سليمان بن علي وكانت بخراسان زلازل عظيمة ودامت مقدرا سبعين يوما وكان معظمها ببلخ والجوزجان والفارياب والطالقان وما وراء النهر فخربت البلاد وتهدمت الدور وهلك فيها خلق كثير. وفيها غلبت السوداء على الحسن بن سهل فتغير عقله حتى شد في الحديد وحبس وكتب القواد إلى المأمون بذلك فجعل على عسكره دينار بن عبد الله وأرسل إليهم يعرفهم أنه واصل. وفيها ظهر بالأندلس رجل يعرف بالولد وخالف على صاحبها فسير إليه جيشًا فحصروه بمدينة باجة وكان استولى عليها فضيقوا عليه فملكوها وقيد. وفيها ولي أسد بن الفرات الفقيه القضاء بالقيروان. وفيها توفي محمد بن جعفر الصادق بجرجان وصلى على المأمون وهوالذي بايعه الناس بالخلافة بالحجاز. وفيها توفي خزيمة بن خازم التميمي في شعبان وهومن القواد المشهورين وقد تقدم من أخباره ما يعرف به محله ويحيى بن آدم بن سليمان وأبوأحمد الزبيري ومحمد بن بشير العبدي الفقيه بالكوفة والنضر بن شميل اللغوي المحدث وكان ثقة.
في هذه السنة قدم المأمون بغداد وانقطعت الفتن وكان قد أقام بجرجان شهرا وجعل يقيم بالمنزل اليوم واليومين والثلاثة وأقام بالنهروان ثمانية أيام فخرج إليه أهل بيته والقواد ووجوه الناس وسلموا عليه.وكان قد كتب إلى طاهر وهوبالرقة ليوافيه بالنهروان فأتاه بها ودخل بغداد منتصف صفر ولباسه ولباس أصحابه الخضرة فلما قدم بغداد نزل الرصافة ثم تحول ونزل قصره على شاطئ دجلة وأمر القواد أن يقيموا في معسكرهم. وكان الناس يدخلون عليه في الثياب الخضر وكانوا يخرقون كل ملبوس يرونه من السواد على إنسان فمكثوا بذلك ثمانية أيام فتكلم بنوالعباس وقواد أهل خراسان وقيل إنه أمر طاهر بن الحسين أن يسأله حوائجه فكان أول حاجة سأله أن يلبس السواد فأجابه إلى ذلك وجلس للناس وأحضر سوادًا فلبسه ودعا بخلعة سوداء فألبسها طاهرا وخلع على قواده السواد فعاد الناس إليه وذلك لسبع بقين من صفر. ولما كن سائرًا قال له أحمد بن أبي خالد الأحول: يا أمير المؤمنين فكرت في هجومنا على أهل بغداد وليس معنا إلا خمسون ألف درهم مع فتنة غلبت قلوب الناس فكيف يكون حالنا إذا هاج هائج أوتحرك متحرك فقال: يا أحمد صدقت ولكن أخبرك أن الناس على طبقات ثلاث في هذه المدينة: ظالم ومظلوم ولا ظالم ولا مظلوم فأما الظالم فلا يتوقع إلا عفونا وأما المظلوم فلا يتوقع إلا أن ينتصف بنا وأما الذي ليس بظالم ولا مظلوم فبيته يسعه وكان الأمر على ما قال.
وفيها أمر المأمون بمقاسمة أهل السواد على الخمسين وكانوا يقاسمون على النصف واتخذ القفير الملحم وهوعشرة مكاكيك بالمكوك الهاروني كيلًا مرسلًا. وفيها واقع يحيى بن معاذ بابك فلم يظفر واحد منهما بصاحبه وولى المأمون أبا عيسى أخاه الكوفة وصالحًا أخاه البصرة واستعمل عبيد الله ابن الحسين بن عبيد الله بن العباس بن أبي طالب على الحرمين وحج بالناس عبيد الله بن الحسن. وفيها انحدر السيد بن أنس الأزدي من الموصل إلى المأمون فتظلم منه محمد بن الحسن بن صالح الهمداني وذكر أنه قتل إخوته وأهل بيته فأحضره المأمون فلما حضر قال: أنت السيد قال: أنت السيد يا أمير المؤمنين وأنا ابن أنس فاستحسن ذلك فقال: أنت قتلت إخوة هذا قال: نعم ولو كان معهم لقتلته لأنهم أدخلوا الخارجي بلدك وأعلوه على منبرك وأبطلوا دعوتك فعفا وفي هذه السنة مات الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه وكان مولده سنة خمسين ومائة والحسن بن زياد اللؤلؤي الفقيه أحد أصحاب أبي حنيفة وأبوداود سليمان بن داود الطيالسي صاحب المسند ومولده سنة ثلاث وثلاثين ومائة وهشام بن محمد السائب الكلبي النسابة وقيل مات سنة ست ومائتين. وفيها توفي محمد بن عبيد أبي أمية المعروف بالطنافسي وقيل سنة خمس ومائتين.
وفي هذه السنة استعمل المأمون طاهر بن الحسين على المشرق من مدينة السلام إلى أقصى عمل المشرق وكان قبل ذلك يتولى الشرط بجانبي بغداد ومعاون السواد. وكان سبب ولايته خراسان أن طاهرًا دخل على المأمون وهويشرب النبيذ وحسين الخادم يسقيه فلما دخل طاهر سقاه رطلين وأمره بالجلوس فقال: ليس لصاحب الشرطة أن يجلس عند سيده فقال المأمون: ذلك في مجلس العامة وأما في مجلس الخاصة فله ذلك فبكى المأمون وتغرغرت عيناه بالدموع فقال طاهر: يا أمير المؤمنين! لم تبكي لا أبكى الله عينك والله لقد دانت لكل البلاد وأذعن لك العباد وصرت إلى المحبة في كل أمرك! قال: أبكي لأمر ذكره ذل وستره حزن ولن يخلوأحد من شجن. وانصرف طاهر فدعا هارون بن جيعونة وقال له: إن أهل خراسان يتعصب بعضهم لبعض فخذ معك ثلاثمائة ألف درهم فأعط حسينًا الخادم مائتي ألف وكاتبه محمد بن هارون مائة ألف وسله أن يسأل المأمون لم بكى ففعل ذلك فلما تغدى المأمون قال: اسقني يا حسين قال: لا والله حتى تقول لي لم بكيت حين دخل عليك طاهر قال: وكيف عنيت بهذا الأمر حتى سألتني عنه قال: لغمي لذلك. قال: هوأمر إن خرج من رأسك قتلتك قال: يا سيدي ومتى أخرجت لك سرًا قال: إني ذكرت محمدًا أخي وما ناله من الذل فخنقتني العبرة فاسترحت إلى الإفاضة ولن يفوت طاهرًا مني ما يكره. فأخبر حسين طاهرًا بذلك فركب طاهر إلى أحمد بن أبي خالد فقال له: إن الثناء مني ليس برخيص وإن المعروف عندي ليس بضائع فغيبني عن عينه! فقال له: سأفعل ذلك. وركب أحمد إلى المأمون فلما دخل عليه قال له: ما منت البارحة. قال: ولم قال: لأنك وليت غسان خراسان وهوومن معه أكلة رأس وأخاف أن تخرج عليه خارجة من الترك فتهلكه فقال: لقد فكرت فيما فكرت فيه فمن ترى قال: طاهر بن الحسين. قال: ويلك! هووالله خالع قال: أنا الضامن له قال: فوله فدعا طاهرًا من ساعته فعقد له فشخص في يومه فنزل ظاهر البلد فأقام شهرا فحمل إليه عشرة آلاف ألف درهم التي تحمل لصاحب خراسان وسار عن بغداد لليلة بقيت من ذي العقدة.وقيل كان سبب ولايته أن عبد الرحمن المطوعي جمع جموعًا كثيرة بنيسابور ليقاتل بهم الحرورية بغير أمر والي خراسان فتخوفوا أن يكون ذلك لأصل عمل عليه وكان غسان بن عباد يتولى خراسان من قبل الحسن ين سهل وسبب ذلك أن الحسن ندبه لمحاربة نصر بن شبث قال: حاربت خليفة وسقت الخلافة إلى خليفة وأومر بمثل هذا إمنا كان ينبغي أن يتوجه إليه قائد من قوادي وصارمه.
|